كان صوت الصمت غريب اللكنة يتواصل مع هدير الرعد وانبلاج البرق في الأفق البعيد. أصخى إليه وهو الممتلئ بتراكمات الأيام مرّها أكثر من حلوها القليل..الليلة كان القمر مختبئا بين السحب لا يكاد يطل حتى يعود إلى مخبئه مطمئنا.في أثناء ذلك كانت خطواته تبحث عن طريق لا يصطك فيه حذاؤه بالحصى..يتوحد ظله بظل الظلام..يكاد يلتصق بالحائط. هنا ومضة من الماضي تجذبه، إحساس غريب هلامي وقوي عندما ينتابه ينقبض القلب ويفيض الدمع..يتذكر أغنية سمعها
(وأني مارق مرّيت جنب حيوط البيت..)
يسكن تارة ويمضي أخرى.هناك وشوشة سكيرين قال الأول:
-ما يحدث لو سافرت ليلا نحو الشمس؟
قال الثاني:
-أعذرني لست من سكان المنطقة.
راحا بعدها يغنيان بصوت جميل رغم تداخل السكر..
(ما أجمل الجو هنا..)
ثم يضربان الأرض في حركة آلية موحدة.كتم أنفاسه والقهقهات التي كادت تخونه خارجة للفضاء المظلم.
-(عمّ تبحث والدياجي تخفيك؟!)
لم أعد أخاف الدجنة كما كنت صغيرا.كانت أمي تقول أن الغولة لا تخرج إلا ليلا.لم أعد أذهب إلى دورة المياه خوفا. كنت أفعلها في فراشي محتملا وابل الشتائم والصفعات.كان هذا في صباي البعيد والآن لا أخرج إلا ظلاما.هي الحكاية موطئ كل مقامر.رآها حدود ليله.إنها حبائل رقيقة شفافة لا تكاد تراها و لا تلمسها لكنّها إحساس غريب هلامي وقوي حين ينتابه ينقبض القلب ويفيض الدمع، يسقط صريعا لدقائق ثم يقاومه
بالمشي ليلا..في الظلام صادفته الحكايا وأشاحت القرية قناعها مبدية ما خفي وكأنها تصرخ بأعلى صوتها.
-هيت لك..
-(لكنّي لم أكن نذلا وإحترمت سترتها وما هتكته)
هنا عند هذا الممر الضيق إلتقى فتى يعرفه يتسلق الجدار إلى حبيبة طائشة تنتظره..خاف فحاول رشوته..
-لها أخت هي لك
شكره ثم مضى..في الليلة الثانية رآه لم يكن لوحده لسوء الحظ..ما إن وطأت قدماه البيت حتى إنهال عليه الحجر من كل حدب وصوب..مضى غير مبال ..الليل ليس دائما ستارا، هناك عيون لا تنام، ذئاب لا تستيقظ إلا ظلاما وإمرأة دائما ترتب الطريق و تحضّر لك جلسة سمر..الليل عنوان الخيانة ،بدء حياة الخفافيش وهو رفيق المتعبّد الهاجع يتلو الورد يتفكر في الخلق منخطفا يبحث عن الفناء في الحبّ الأزلي.. صدر لدعاوي الأمهات الطيبات..ليله هو الإنعتاق يمضي حرا.لا أحد هنا ينظر إليه..يرى الجميع ويعرف كل السارين..هنا كثيرا ما التقى (الجلاني) مخمورا يغنّي.. هو الوحيد الذي يحسّ بوجوده..في بادئ الأمر كان يلتقيه ملقيا على بطنه وهو يبكي وكلما سأله عن السبب زاد نحيبا:
-كلمّا إشترى أبي لحما يعطونني أصغر العظام
ثم يسمعه وهو يمضي يقول:
-لكن ربّك لا ينس أحدا كل ليلة يضع في جيبي 200دج..
يصل المقبرة ..يحثّ الخطى إلى المنطقة العليا..يقفز بين القبور..لم يعد الأمر صعبا..أصبح يتصرف آليا.يصل إلى القبر، يفتح يديه قارئا الفاتحة ثم ينتابه الإحساس الغريب، هلامي وقوي، ينقبض قلبه ويفيض الدمع، ينام ثلاث ساعات لا أكثر ولا أقل ثم ينهض عائدا..في طريق العودة يضع ورقة200دج في جيب (الجلاني) النائم محتضنا زجاجة الخمر الرخيص..يتفحص طريق العودة بحذر..يلج بيته بحذر..يخرج صورة ومجموعة أشرطة لعبد الحليم ومذكرة ويمضي كاتبا
(ها هو ذا قطار الذكرى ينطلق بي ككلّ مرّة، يجوب بي المحطّات، يوقفني عند محطة البدء بعد سفر طويل في أعماق هذا الماضي وهاهي ذكراك تستيقظ من أعماق النسيان.. ذكراك التي وأدتها إنها اليوم أشباح تعكر صفو حياتي وطعنات تمزق ذاتي.ليس لي كيف أن أصدها إلا أن أجوب شوارع القرية الواسعة وألوك أرصفتها.في هذه القرية النّائمة كنت ولا زلت أبحث عمّن يستأصل ذكراك، يخمدها أو يخدّرها لأهرب من عذاباتك.إنه إحساس غريب ، هلامي وقوي، ينتابني فينقبض القلب ويفيض الدمع..ما زلت أحملك ذكرى جميلة وحكاية من حكايات جدتي..أحملك جرحا قديما لا يندمل..
-"لو حكينا يا حبيبي نبتدي منين الحكاية..؟؟!
آه أيتها الصورة هل تذكرين كيف كانت البداية؟ فالبدايات دائما ضائعة.وحدها النهايات راسخة في العقول.أمّا أنا فأذكر البداية والنهاية.
إلى نفس الشارع تقتادني خطواتي نحو ثراك.تغتالني لحظات الأحزان..ذكريات لست أنساها محفورة ، مدفونة في الوجدان..صامتا كنت تنتابني رعشة في أوصالي..ها قد صرنا نغمة في العود حزينة..غريبة في وصلة الحسون..هل تذكرين الحسّون؟! أهديته لأحلى عيون..والآن أصبحت شمعة في ركن خيمة، في عيون ثكلى..لا أنين لا طبيب..ميتا في إنتظار الأكفان..
-"جبت الطبيب يداوي سألني الجرح فين.."
آه أما آن لهذا القلب الذي هدّه الحزن أن ينساك يا (ذكرى) ؟!أما آن لي أن أنام؟! قد طال ليلي وطال سفري معك يا ذكرى..يا ذكري الغالية الراحلة.)
أغلق كراسته، قبّل إبنته كأنّما يقبّل أمها ،ألقى بنفسه على فراشه الذي ما تغير منذ رحيل الغالية خوفا من أن تزول رائحة عطرها المفضل ..بدا عليه النعاس مع بيان الخيط الأبيض من الأسود.
(وأني مارق مرّيت جنب حيوط البيت..)
يسكن تارة ويمضي أخرى.هناك وشوشة سكيرين قال الأول:
-ما يحدث لو سافرت ليلا نحو الشمس؟
قال الثاني:
-أعذرني لست من سكان المنطقة.
راحا بعدها يغنيان بصوت جميل رغم تداخل السكر..
(ما أجمل الجو هنا..)
ثم يضربان الأرض في حركة آلية موحدة.كتم أنفاسه والقهقهات التي كادت تخونه خارجة للفضاء المظلم.
-(عمّ تبحث والدياجي تخفيك؟!)
لم أعد أخاف الدجنة كما كنت صغيرا.كانت أمي تقول أن الغولة لا تخرج إلا ليلا.لم أعد أذهب إلى دورة المياه خوفا. كنت أفعلها في فراشي محتملا وابل الشتائم والصفعات.كان هذا في صباي البعيد والآن لا أخرج إلا ظلاما.هي الحكاية موطئ كل مقامر.رآها حدود ليله.إنها حبائل رقيقة شفافة لا تكاد تراها و لا تلمسها لكنّها إحساس غريب هلامي وقوي حين ينتابه ينقبض القلب ويفيض الدمع، يسقط صريعا لدقائق ثم يقاومه
بالمشي ليلا..في الظلام صادفته الحكايا وأشاحت القرية قناعها مبدية ما خفي وكأنها تصرخ بأعلى صوتها.
-هيت لك..
-(لكنّي لم أكن نذلا وإحترمت سترتها وما هتكته)
هنا عند هذا الممر الضيق إلتقى فتى يعرفه يتسلق الجدار إلى حبيبة طائشة تنتظره..خاف فحاول رشوته..
-لها أخت هي لك
شكره ثم مضى..في الليلة الثانية رآه لم يكن لوحده لسوء الحظ..ما إن وطأت قدماه البيت حتى إنهال عليه الحجر من كل حدب وصوب..مضى غير مبال ..الليل ليس دائما ستارا، هناك عيون لا تنام، ذئاب لا تستيقظ إلا ظلاما وإمرأة دائما ترتب الطريق و تحضّر لك جلسة سمر..الليل عنوان الخيانة ،بدء حياة الخفافيش وهو رفيق المتعبّد الهاجع يتلو الورد يتفكر في الخلق منخطفا يبحث عن الفناء في الحبّ الأزلي.. صدر لدعاوي الأمهات الطيبات..ليله هو الإنعتاق يمضي حرا.لا أحد هنا ينظر إليه..يرى الجميع ويعرف كل السارين..هنا كثيرا ما التقى (الجلاني) مخمورا يغنّي.. هو الوحيد الذي يحسّ بوجوده..في بادئ الأمر كان يلتقيه ملقيا على بطنه وهو يبكي وكلما سأله عن السبب زاد نحيبا:
-كلمّا إشترى أبي لحما يعطونني أصغر العظام
ثم يسمعه وهو يمضي يقول:
-لكن ربّك لا ينس أحدا كل ليلة يضع في جيبي 200دج..
يصل المقبرة ..يحثّ الخطى إلى المنطقة العليا..يقفز بين القبور..لم يعد الأمر صعبا..أصبح يتصرف آليا.يصل إلى القبر، يفتح يديه قارئا الفاتحة ثم ينتابه الإحساس الغريب، هلامي وقوي، ينقبض قلبه ويفيض الدمع، ينام ثلاث ساعات لا أكثر ولا أقل ثم ينهض عائدا..في طريق العودة يضع ورقة200دج في جيب (الجلاني) النائم محتضنا زجاجة الخمر الرخيص..يتفحص طريق العودة بحذر..يلج بيته بحذر..يخرج صورة ومجموعة أشرطة لعبد الحليم ومذكرة ويمضي كاتبا
(ها هو ذا قطار الذكرى ينطلق بي ككلّ مرّة، يجوب بي المحطّات، يوقفني عند محطة البدء بعد سفر طويل في أعماق هذا الماضي وهاهي ذكراك تستيقظ من أعماق النسيان.. ذكراك التي وأدتها إنها اليوم أشباح تعكر صفو حياتي وطعنات تمزق ذاتي.ليس لي كيف أن أصدها إلا أن أجوب شوارع القرية الواسعة وألوك أرصفتها.في هذه القرية النّائمة كنت ولا زلت أبحث عمّن يستأصل ذكراك، يخمدها أو يخدّرها لأهرب من عذاباتك.إنه إحساس غريب ، هلامي وقوي، ينتابني فينقبض القلب ويفيض الدمع..ما زلت أحملك ذكرى جميلة وحكاية من حكايات جدتي..أحملك جرحا قديما لا يندمل..
-"لو حكينا يا حبيبي نبتدي منين الحكاية..؟؟!
آه أيتها الصورة هل تذكرين كيف كانت البداية؟ فالبدايات دائما ضائعة.وحدها النهايات راسخة في العقول.أمّا أنا فأذكر البداية والنهاية.
إلى نفس الشارع تقتادني خطواتي نحو ثراك.تغتالني لحظات الأحزان..ذكريات لست أنساها محفورة ، مدفونة في الوجدان..صامتا كنت تنتابني رعشة في أوصالي..ها قد صرنا نغمة في العود حزينة..غريبة في وصلة الحسون..هل تذكرين الحسّون؟! أهديته لأحلى عيون..والآن أصبحت شمعة في ركن خيمة، في عيون ثكلى..لا أنين لا طبيب..ميتا في إنتظار الأكفان..
-"جبت الطبيب يداوي سألني الجرح فين.."
آه أما آن لهذا القلب الذي هدّه الحزن أن ينساك يا (ذكرى) ؟!أما آن لي أن أنام؟! قد طال ليلي وطال سفري معك يا ذكرى..يا ذكري الغالية الراحلة.)
أغلق كراسته، قبّل إبنته كأنّما يقبّل أمها ،ألقى بنفسه على فراشه الذي ما تغير منذ رحيل الغالية خوفا من أن تزول رائحة عطرها المفضل ..بدا عليه النعاس مع بيان الخيط الأبيض من الأسود.